شرق المتوسط.. إشهار للسلاح.. وانتظار للحرب

عام 2011، وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتفاق مع القوميين المتطرفين مخططًا لتحقيق ما سماه «العثمانية الجديدة» و«الوطن الأزرق»، ويعتمد تحقيق هذه الأهداف على التخلص من ثلاث اتفاقيات رئيسية هي اتفاقية لوزان في 24 يوليو (تموز) عام 1923، واتفاقية مونترو في 20 يوليو عام 1936 الخاصة بوضعية المضايق التركية «الدردنيل والبسفور»، واتفاقية باريس عام 1947 الخاصة بالجزر في بحر إيجة، ورغم الاقتراب من عام 2023، أي مرور 100 عام على اتفاقية لوزان، وهو السقف الزمني الذي وضعه أردوغان لإلغاء الاتفاقيات السابقة والتوسع براً وبحراً، إلا أن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان والحزب القومي بزعامة دولت بهشتلي، لم يحققا شيئًا ملموسًا حتى الآن، وهو ما يطرح فرضية سعي أنقرة لإشعال الحروب للخروج من الحدود التركية البرية والبحرية الحالية، فالحدود تتغير إما بالحروب أو بالتحالفات، ويشهد شرق المتوسط توتراً شديداً وتزاخماً بالذخيرة الحية لم تشهده المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فهل يستعد أردوغان للحرب؟ وما هي دوافع الحكومة التركية لخوض مثل تلك الحروب؟ وهل من كوابح وموانع تحول دون اندلاع هذه الحرب؟ وما هي السيناريوهات المتاحة لدول المنطقة العربية وغير الغربية لإجهاض النزعة التوسعية والتنمر التركي في شرق المتوسط؟

 

دوافع تركيا للحرب
1- ترى القيادة التركية أن الحرب شرق المتوسط من أكثر الحروب التي يمكن تبريرها للشعب التركي، بل للنخبة السياسية التركية، ويشير تحليل خطابات القيادة التركية إلى أن تركيا تحمل اتفاقية لوزان 1923 مسؤولية تقييد حرية تركيا داخل البحر المتوسط، والادعاء دائمًا أن هذه الاتفاقية انتزعت الأراضي التركية لصالح سوريا والعراق وقبرص واليونان وباقي دول البلقان، وأن تركيا عليها الخروج من هذه الاتفاقية بمناسبة مرور 100 عام على الاتفاقية في 2023، وتبدو الحرب مبررة للغاية إذا كان الهدف هو «استرجاع» الأراضي التركية كما يدعي أردوغان، كما أن أنقرة ترى في اتفاقية مونترو لعام 1936 أنها اتفاقية ظالمة لتركيا رغم المزايا الكثيرة التي منحتها لورثة الرجل المريض، ويسعى أردوغان من خلال إلغاء هذه الاتفاقية إلى فرض المزيد من الرسوم على بضائع الدول التي تظل على البحر الأسود، وهي روسيا وأكرانيا وبلغاريا ورومانيا، ومن أكثر الاتفاقيات التي تأمل تركيا الخروج منها هي اتفاقية باريس لعام 1947، لأنها تتعلق بـ12 جزيرة كبيرة، وحولها ما يقرب من 3000 جزيرة ومنطقة يابسة في بحر إيجة منحتها إيطاليا المهزومة في الحرب العالمية الثانية إلى اليونان، وكانت إيطاليا حصلت عليها بموجب اتفاقية لوزان، وتعتقد تركيا أن اجتياح هذه الجزر البعيدة عن منطقة أتيكا في البر اليوناني يمكن أن تعطيها «ميزة تفاوضية» بالحصول على نصف الجزر بعد «حرب خاطفة» في شرق المتوسط، وهو ما يتيح لها منطقة اقتصادية أكبر في شرق المتوسط، حسب الهوس التركي.

2 – احتلال تركيا لمساحات كبيرة من شمال العراق، وإقامة 14 قاعدة عسكرية، أبرزها معسكر «بعشيقة» على بعد 130 كلم جنوب الحدود التركية دون أن تدفع ثمنًا لذلك، ولهذا وضع أردوغان «ليرة» في الميزانية التركية تسمى «الليرة الموصلية» على أساس أن «ولاية الموصل» هي جزء من الأراضي التركية، ويدعي أنه في عام 2023 عندما تنتهي معاهدة لوزان التي حددت الحدود التركية سيعود أردوغان لأملاك السلطان عبد الحميد الثاني، منها «ولاية الموصل»، وتطرح تركيا مبدأ إعادة الاستفتاء على سكان الموصل للعودة لتركيا، أو البقاء ضمن العراق، وتراهن أنقرة على بعض العائلات العراقية حتى يكون التصويت لصالحها عام 2023 وفق الوهم التركي.

3 – سيطرة تركيا على أراضٍ تساوي ضعفي مساحة لبنان في شمال وشمال شرقي سوريا، حيث انتقلت تركيا من «مرحلة الاحتلال» إلى «مرحلة التتريك»، وكل المؤشرات تقول إن تركيا لن تخرج من شمال العراق أو شمال سوريا قريباً، وتخطط أنقرة لفرض «النموذج القبرصي» على كل من العراق وسوريا بتحويل هذه الأراضي «لملكية تركية» على غرار لواء الإسكندرون أو شمال قبرص.

4 – تعتقد تركيا أنها حققت إنجازات عسكرية واقتصادية في ليبيا وقطر والصومال دون أن تدفع أثمانًا سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، بل على العكس يروج أردوغان أن حل مشاكل تركيا الاقتصادية من خلال النفوذ الخارجي، ويشير بشكل واضح إلى المليارات التي حصل عليها من السراج وقطر.

5 – ترى تركيا أن الوقت الحالي هو فرصة لن تتكرر، نظراً لغياب أو استعداد الولايات المتحدة «للغياب عن مشهد الشرق الأوسط»، فالتفسير الوحيد للتحركات التركية في كل المنطقة هو خطة «الاستدارة شرقاً» التي نشرتها هيلاري كلينتون في عدد مايو (أيار) من مجلة «فورين بوليسي» عام 2010، وتقول إن الولايات المتحدة ستقلل من مسؤولياتها في الشرق الأوسط بالتدريج وصولاً للتحول نحو الصين وجنوب شرقي آسيا، والمهم في هذه الخطة الأميركية بالنسبة لتركيا ودول المتوسط والشرق الأوسط أن واشنطن ستترك للقوى الأطلسية، التي تضم تركيا، أن تحل محلها في الشرق الأوسط، ولهذا ترى تركيا أنها تقوم بكل ما تقوم به ليس فقط بضوء أخضر أميركي، لكن بغطاء كامل، وموافقة مسبقة على هذا السيناريو من واشنطن.
خلاصة

من مصلحة الدول العربية أن تدعم أي تحول تركي نحو السلام والاستقرار في شرق المتوسط، لأن من شأن ذلك أن يؤثر إيجابياً على باقي الملفات التي تركيا والدول العربية طرفاً فيها، لكن في حال اندلاع أي سيناريو من سيناريوهات الحرب الثلاث يجب على الدول العربية أن تقف و«بقوة» و«دون تردد»، مع أي دولة تتعرض للعدوان التركي شرق المتوسط، لأن نجاح تركيا في أي حرب شرق المتوسط سيشجعها على تكرار نفس السيناريو في المناطق الأخرى، وهذا ما لا يتمناه أحد.

مقالات قد تعجبك

السوريون في تركيا تحت كماشة اليمين المتطرف

عملية عسكرية تركية جديدة شمالي العراق: “قفل المخلب​​​​​​​”

عودة العلاقات التركية الأمريكية

وزيرا دفاع تركيا وأوكرانيا يبحثان عمليات الإجلاء من ماريوبول